الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
ثم يأخذ في عرض الآيات. آيات الخلق الدالة على وحدانية الخالق؛ وآيات النعمة الدالة على وحدانية المنعم؛ يعرضها فوجا فوجا، ومجموعة مجموعة. بادئًا بخلق السماوات والأرض وخلق الإنسان.{خلق السماوات والأرض بالحق تعالى عما يشركون خلق الإنسان من نطفة فإذا هو خصيم مبين}.{خلق السماوات والأرض بالحق}. الحق قوام خلقهما، والحق قوام تدبيرهما، والحق عنصر أصيل في تصريفهما وتصريف من فيهما وما فيهما. فما شيء من ذلك كله عبث ولا جزاف. إنما كل شيء قائم على الحق ومتلبس به ومفض له وصائر في النهاية إليه.. {تعالى عما يشركون}. تعالى عن شركهم، وتعالى عما يشركون به من خلق الله الذي خلق السماوات والأرض، وخلق من فيهما وما فيهما، فليس أحد وليس شيء شريكًا له وهو الخالق الواحد بلا شريك.{خلق الإنسان من نطفة فإذا هو خصيم مبين} ويا لها من نقلة ضخمة بين المبدأ والمصير. بين النطفة الساذجة والإنسان المخاصم المجادل الذي يخاصم خالقه فيكفر به ويجادل في وجوده أو في وحدانيته، وليس بين مبدئه من نطفة وصيرورته إلى الجدل والخصومة فارق ولا مهلة. فهكذا يصوره التعبير، ويختصر المسافة بين المبدأ والمصير، لتبدو المفارقة كاملة، والنقلة بعيدة، ويقف الإنسان بين مشهدين وعهدين متواجهين: مشهد النطفة المهينة الساذجة، ومشهد الإنسان الخصيم المبين.وهو إيجاز مقصود في تصوير.وفي هذا المجال الواسع مجال الكون: السماوات والأرض الذي يقف فيه الإنسان، يأخذ السياق في استعراض خلق الله الذي سخره للإنسان، ويبدأ بالأنعام:{والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس إن ربكم لرؤوف رحيم والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ويخلق ما لا تعلمون}.وفي بيئة كالبيئة التي نزل فيها القرآن أول مرة، وأشباهها كثير؛ وفي كل بيئة زراعية والبيئات الزراعية هي الغالبة حتى اليوم في العالم.. في هذه البيئة تبرز نعمة الأنعام، التي لا حياة بدونها لبني الإنسان، والأنعام المتعارف عليها في الجزيرة كانت هي الإبل والبقر والضأن والمعز. أما الخيل والبغال والحمير فللركوب والزينة ولا تؤكل والقرآن إذ يعرض هذه النعمة هنا ينبه إلى ما فيها من تلبية لضرورات البشر وتلبية لأشواقهم كذلك: ففي الأنعام دفء من الجلود والأصواف والأوبار والأشعار، ومنافع في هذه وفي اللبن واللحم وما إليها، ومنها تأكلون لحمًا ولبنًا وسمنًا، وفي حمل الأثقال إلى البلد البعيد لا يبلغونه إلا بشق الأنفس، وفيها كذلك جمال عند الإراحة في المساء وعند السرح في الصباح. جمال الاستمتاع بمنظرها فارهة رائعة صحيحة سمينة، وأهل الريف يدركون هذا المعنى بأعماق نفوسهم ومشاعرهم أكثر مما يدركه أهل المدينة.وفي الخيل والبغال والحمير تلبية للضرورة في الركوب، وتلبية لحاسة الجمال في الزينة: {لتركبوها وزينة}.وهذه اللفتة لها قيمتها في بيان نظرة القرآن ونظرة الإسلام للحياة. فالجمال عنصر أصيل في هذه النظرة وليست النعمة هي مجرد تلبية الضرورات من طعام وشراب وركوب؛ بل تلبية الأشواق الزائدة على الضرورات. تلبية حاسة الجمال ووجدان الفرح والشعور الإنساني المرتفع على ميل الحيوان وحاجة الحيوان.{إن ربكم لرؤوف رحيم} يعقب بها على حمل الأثقال إلى بلد لم يكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس توجيها إلى ما في خلق الأنعام من نعمة، وما في هذه النعمة من رحمة.{ويخلق ما لا تعلمون}. يعقب بها على خلق الأنعام للأكل والحمل والجمال، وخلق الخيل والبغال والحمير للركوب والزينة.. ليظل المجال مفتوحًا في التصور البشري لتقبل أنماط جديدة من أدوات الحمل والنقل والركوب والزينة، فلا يغلق تصورهم خارج حدود البيئة، وخارج حدود الزمان الذي يظلهم. فوراء الموجود في كل مكان وزمان صور أخرى، يريد الله للناس أن يتوقعوا فيتسع تصورهم وإدراكهم، ويريد لهم أن يأنسوا بها حين توجد أو حين تكشف فلا يعادوها ولا يجمدوا دون استخدامها والانتفاع بها، ولا يقولوا: إنما استخدم آباؤنا الأنعام والخيل والبغال والحمير فلا نستخدم سواها.وإنما نص القرآني على هذه الأصناف فلا نستخدم ما عداها!.إن الإسلام عقيدة مفتوحة مرنة قابلة لاستقبال طاقات الحياة كلها، ومقدرات الحياة كلها ومن ثم يهيِّئ القرآن الأذهان والقلوب لاستقبال كل ما تتمخض عنه القدرة، ويتمخض عنه العلم، ويتمخض عنه المستقبل. استقباله بالوجدان الديني المتفتح المستعد لتلقي كل جديد في عجائب الخلق والعلم والحياة.ولقد جدت وسائل للحمل والنقل والركوب والزينة لم يعلمها أهل ذلك الزمان، وستجد وسائل أخرى لا يعلمها أهل هذا الزمان، والقرآن يهيِّئ لها القلوب والأذهان، بلا جمود ولا تحجر {ويخلق ما لا تعلمون}.وفي معرض النقل والحمل والركوب والسير لبلوغ غايات محسوسة في عالم الأرض، يدخل السياق غايات معنوية وسيرا معنويًا وطرقا معنوية. فثمة الطريق إلى الله، وهو طريق قاصد مستقيم لا يلتوي ولا يتجاوز الغاية، وثمة طرق أخرى لا توصل ولا تهدي. فأما الطريق إلى الله فقد كتب على نفسه كشفها وبيانها: بآياته في الكون وبرسله إلى الناس:{وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر ولو شاء لهداكم أجمعين}.والسبيل القاصد هو الطريق المستقيم الذي لا يلتوي كأنه يقصد إلى غايته فلا يحيد عنها، والسبيل الجائر هو السبيل المنحرف المجاوز للغاية لا يوصل إليها، أو لا يقف عندها!{ولو شاء لهداكم أجمعين}، ولكنه شاء أن يخلق الإنسان مستعدًا للهدى والضلال، وأن يدع لإرادته اختيار طريق الهدى أو طريق الضلال. فكان منهم من يسلك السبيل القاصد، ومنهم من يسلك السبيل الجائر، وكلاهما لا يخرج على مشيئه الله، التي قضت بأن تدع للإنسان حرية الاختيار.والفوج الثاني من آيات الخلق والنعمة:{هو الذي أنزل من السماء ماء لكم منه شراب ومنه شجر فيه تسيمون ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والأعناب ومن كل الثمرات إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون}.والماء ينزل من السماء وفق النواميس التي خلقها الله في هذا الكون، والتي تدبر حركاته، وتنشيء نتائجها وفق إرادة الخالق وتدبيره، بقدر خاص من أقداره ينشيء كل حركة وكل نتيجة. هذا الماء يذكر هنا نعمة من نعم الله {لكم منه شراب} فهي خصوصية الشراب التي تبرز في هذا المجال ثم خصوصية المرعى {ومنه شجر فيه تسيمون} وهي المراعي التي تربون فيها السوائم. ذلك بمناسبة ذكر الأنعام قبلها وتنسيقًا للجو العام بين المراعي والأنعام. ثم الزروع التي يأكل منها الإنسان مع الزيتون والنخيل والأعناب وغيرها من أشجار الثمار..{إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون}. في تدبير الله لهذا الكون، ونواميسه المواتية لحياة البشر، وما كان الإنسان ليستطيع الحياة على هذا الكوكب لو لم تكن نواميس الكون مواتية لحياته، موافقة لفطرته، ملبية لحاجاته، وما هي بالمصادفة العابرة أن يخلق الإنسان في هذا الكوكب الأرضي، وأن تكون النسب بين هذا الكوكب وغيره من النجوم والكواكب هي هذه النسب، وأن تكون الظواهر الجوية والفلكية على ما هي عليه، ممكنة للإنسان من الحياة، ملبية هكذا لحاجاته على النحو الذي نراه.والذين يتفكرون هم الذين يدركون حكمة التدبير، وهم الذين يربطون بين ظاهرة كظاهرة المطر وما ينشئه على الأرض من حياة وشجر وزروع وثمار، وبين النواميس العليا للوجود، ودلالتها على الخالق وعلى وحدانية ذاته ووحدانية إرادته ووحدانية تدبيره. أما الغافلون فيمرون على مثل هذه الآية في الصباح والمساء، في الصيف والشتاء، فلا توقظ تطلعهم، ولا تثير استطلاعهم ولا تستجيش ضمائرهم إلى البحث عن صاحب هذا النظام الفريد.والفوج الثالث من أفواج الآيات:{وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون}.ومن مظاهر التدبير في الخلق، وظواهر النعمة على البشر في آن: الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم. فكلها مما يلبي حاجة الإنسان في الأرض، وهي لم تخلق له ولكنها مسخرة لمنفعته. فظاهرة الليل والنهار ذات أثر حاسم في حياة هذا المخلوق البشري، ومن شاء فليتصور نهارا بلا ليل أو ليلا بلا نهار، ثم يتصور مع هذا حياة الإنسان والحيوان والنبات في هذه الأرض كيف تكون.كذلك الشمس والقمر، وعلاقتهما بالحياة على الكوكب الأرضي، وعلاقة الحياة بهما في أصلها وفي نموها، {والنجوم مسخرات بأمره} للإنسان ولغير الإنسان مما يعلم الله..وكل أولئك طرف من حكمة التدبير، وتناسق النواميس في الكون كله، يدركه أصحاب العقول التي تتدبر وتعقل وتدرك ما وراء الظواهر من سنن وقوانين: {إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون}.والفوج الرابع من أفواج النعمة فيما خلق الله للإنسان:{وما ذرأ لكم في الأرض مختلفًا ألوانه إن في ذلك لآية لقوم يذكرون}.وما خلق الله في الأرض وما أودع فيها للبشر من مختلف المعادن التي تقوم بها حياتهم في بعض الجهات وفي بعض الأزمان، ونظرة إلى هذه الذخائر المخبوءة في الارض، المودعة للناس حتى يبلغوا رشدهم يومًا بعد يوم، ويستخرجوا كنوزهم في حينها ووقت الحاجة إليها، وكلما قيل: إن كنزا منها قد نفد أعقبه كنز آخر غني، من رزق الله المدخر للعباد.. {إن في ذلك لآية لقوم يذكرون} ولا ينسون أن يد القدرة هي التي خبأت لهم هذه الكنوز.والفوج الخامس من أفواج الخلق والأنعام في البحر الملح الذي لا يشرب ولا يسقي، ولكنه يشتمل على صنوف من آلاء الله على الإنسان:{وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحمًا طريًا وتستخرجوا منه حلية تلبسونها وترى الفلك مواخر فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون}.ونعمة البحر وأحيائه تلبي كذلك ضرورات الإنسان وأشواقه.فمنه اللحم الطري من السمك وغيره للطعام، وإلى جواره الحلية من اللؤلؤ ومن المرجان، وغيرهما من الأصداف والقواقع التي يتحلى بها أقوام ما يزالون حتى الآن، والتعبير كذلك عن الفلك يشي بتلبية حاسة الجمال لا بمجرد الركوب والانتقال: {وترى الفلك مواخر فيه} فهي لفتة إلى متاع الرؤية وروعتها: رؤية الفلك {مواخر} تشق الماء وتفرق العباب.، ومرة اخرى نجد أنفسنا أمام التوجيه القرآني العالي إلى الجمال في مظاهر الكون، بجانب الضرورة والحاجة، لنتملى هذا الجمال ونستمتع به، ولا نحبس أنفسنا داخل حدود الضرورات والحاجات.كذلك يوجهنا السياق أمام مشهد البحر والفلك تشق عبابه إلى ابتغاء فضل الله ورزقه، وإلى شكره على ما سخر من طعام والزينة والجمال في ذلك الملح الأجاج: {ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون}.والفوج الأخير في هذا المقطع من السورة:{وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم وأنهارًا وسبلا لعلكم تهتدون وعلامات وبالنجم هم يهتدون}.فأما الجبال الرواسي فالعلم الحديث يعلل وجودها ولكنه لا يذكر وظيفتها التي يذكرها القرآن هنا. يعلل وجودها بنظريات كثيرة متعارضة أهمها أن جوف الأرض الملتهب يبرد فينكمش، فتتقلص القشرة الأرضية من فوقه وتتجعد فتكون الجبال والمرتفعات والمنخفضات، ولكن القرآن يذكر أنها تحفظ توازن الأرض، وهذه الوظيفة لم يتعرض لها العلم الحديث.وفي مقابل الجبال الرواسي يوجه النظر إلى الأنهار الجواري، والسبل السوالك، والأنهار ذات علاقة طبيعية في المشهد بالجبال، ففي الجبال في الغالب تكون منافع الأنهار؛ حيث مساقط الأمطار، والسبل ذات علاقة بالجبال والأنهار، وذات علاقة كذلك بجو الأنعام والأحمال والانتقال، وإلى جوار ذلك معالم الطرق التي يهتدي بها السالكون في الأرض من جبال ومرتفعات ومنفرجات، وفي السماء من النجم الذي يهدي السالكين في البر والبحر سواء.وعندما ينتهي استعراض آيات الخلق، وآيات النعمة، وآيات التدبير في هذا المقطع من السورة يعقب السياق عليه بما سيق هذا الاستعراض من أجله. فقد ساقه في صدد قضية التعريف بالله سبحانه وتوحيده وتنزيهه عما يشركون:{أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الله لغفور رحيم والله يعلم ما تسرون وما تعلنون والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئا وهم يخلقون أموات غير أحياء وما يشعرون أيان يبعثون}.وهو تعقيب يجيء في أوانه، والنفس متهيئة للإقرار بمضمونه: {أفمن يخلق كمن لا يخلق}. فهل هنالك إلا جواب واحد: لا، وكلا: أفيجوز أن يسوي إنسان في حسه وتقديره.. بين من يخلق ذلك الخلق كله، ومن لا يخلق لا كبيرا ولا صغيرًا؟ {أفلا تذكرون} فما يحتاج الأمر إلى أكثر من التذكر، فيتضح الأمر ويتجلى اليقين.ولقد استعرض ألوانا من النعمة. فهو يعقب عليها: {وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها}. فضلًا على أن تشكروها، وأكثر النعم لا يدريها الإنسان، لأنه يألفها فلا يشعر بها إلا حين يفتقدها.، وهذا تركيب جسده ووظائفه متى يشعر بما فيه من إنعام إلا حين يدركه المرض فيحس بالاختلال؟ إنما يسعه غفران الله للتقصير ورحمته بالإنسان الضعيف {إن الله لغفور رحيم}.والخالق يعلم ما خلق. يعلم الخافي والظاهر: {والله يعلم ما تسرون وما تعلنون} فكيف يسوونه في حسهم وتقديرهم بتلك الآلهة المدعاة وهم لا يخلقون شيئا ولا يعلمون شيئا، بل إنهم لأموات غير قابلين للحياة على الإطلاق، ومن ثم فهم لا يشعرون:{والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئا وهم يخلقون أموات غير أحياء وما يشعرون أيان يبعثون}.والإشارة هنا إلى البعث وموعده فيها تقرير أن الخالق لابد أن يعلم موعد البعث. لأن البعث تكملة للخلق، وعنده يستوفي الأحياء جزاءهم على ما قدموا. فالآلهة التي لا تعلم متى يبعث عبادها هي آلهة لا تستحق التأليه، بل هي سخرية الساخرين. فالخالق يبعث مخاليقه ويعلم متى يبعثهم على التحقيق!. اهـ.
.فوائد لغوية وإعرابية: قال السمين:{واللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (19)}.قوله تعالى: {يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ} قرأ العامَّةُ {تُسِرُّون} و{تُعْلِنون} بتاء الخطاب، وأبو جعفر بالياء مِنْ تحتُ.{الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ} (20).وقرأ عاصم وحده {يَدْعُون} بالياء، والباقون بالتاء مِنْ فوقُ، وقُرِئ {يُدْعَوْن} مبنيًا للمفعول، وهنَّ واضحاتٌ.{مْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاء وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (21)}.قوله تعالى: {أَمْواتٌ} يجوز أن يكونَ خبرًا ثانيًا، أي: وهم يُخْلَقُون وهم أمواتٌ، ويجوز أن يكونَ {يُخْلَقون} و{أمواتٌ} كلاهما خبرًا من بابِ هذا حُلْوٌ حامِض ذكره أبو البقاء، ويجوزُ أن يكونَ خبرَ مبتدأ مضمرٍ، أي: هم أمواتٌ.قوله: {غَيْرُ أَحْيَاء} يجوزُ فيه ما تقدم، ويكون تأكيدًا، وقال أبو البقاء: ويجوزُ أَنْ يكونَ قصد بها أنهم في الحال غيرُ أحياء ليَرْفَعَ به توهُّمَ أنَّ قوله: {أمواتٌ} فيما بعد إذ قال تعالى: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَّيِّتُونَ} [الزمر: 30]. قلت: وهذا لا يُخْرِجُه عن التأكيدِ الذي ذكره قبلَ ذلك.قوله: {أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} {أيَّان} منصوبٌ بما بعده لا بما قبلَه لأنه استفهامٌ، وهو مُعَلَّقٌ ل {يَشْعُرون} فجملتُه في محلِّ نصبٍ على إسقاطِ الخافضِ، هذا هو الظاهرُ، وفي الآية قولٌ آخرُ: وهو أن {أيَّان} ظرفٌ لقوله: {إلهكم إله وَاحِدٌ} يعني أن الإِلهَ واحدٌ يومَ القيامة، ولم يَدَّعِ أحدٌ الإِلهيةَ في ذلك اليومِ بخلاف أيَّام الدنيا، فإنه قد وُجد فيها من ادَّعى ذلك، وعلى هذا فقد تَمَّ الكلامُ على قوله: {يَشْعُرون}، إلا أن هذا القول مُخْرِجٌ ل {أيَّان} عن موضوعِها- وهو: إمَّا الشرطُ، وإمَّا الاستفهامُ- إلى مَحْضِ الظرفيةِ بمعنى وقت، مضافٌ للجملة بعده كقولِك: وقتَ تَذْهَبُ عمروٌ منطلق فوقتَ منصوبٌ بمُنْطَلِق، مضافٌ لتذهب. اهـ.
|